حي دالاس ولاية ميلة

مشاريع التنمية لم توجه للمنطقة منذ سنوات
حيـــاة بدائـــيـــة تطبــــع يوميــات عائـــلات حـي دالاس بميـلة


أقيم الحي في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي بطريقة غير شرعية وفوضوية في غياب الرقابة والردع، وعرف نموا سريعا ورهيبا أمام الصمت المطبق لمسؤولي البلدية آنذاك وتزايدت أكواخه كالفطريات، حيث يفتح السكان أعينهم على عدد جديد من البيوت القصديرية في مطلع كل يوم جديد حتى فرض سكانه أنفسهم أمرا واقعا لا يمكن تجنبه، وفشلت كل المحاولات الرامية لاجتثاث تلك البيوت الفوضوية غير أن الأمر لم يكن بالسهولة التي كان يتصورها أصحاب الحل والربط في ذلك الوقت.
ونشأ حي دالاس بقوة الفوضى وعرف بين الناس اسم دالاس نسبة للمدينة الأمريكية استهزاء وتهكما. وبغرض الحد من التزايد المفرط للسكان الذين وجدوا فيه فرصة للبزنسة والبيع قامت البلدية في السنوات الأخيرة بالقضاء على العديد من البيوت وتمكين أصحابها من السكن الاجتماعي إلا أن ذلك لم يكن كافيا من تغيير الواقع المفروض من طرف السكان الذين أقاموا بنايات ولم يعد بإمكانهم التنازل عن سكناتهم. ولأن هذا الحي تشكل من النازحين من الأرياف المحيطة ببلدية القرارم فإنه كان نموذجا للحياة الريفية الخالصة، فالكل يربي المواشي والكل يملك الحيوانات الأليفة، وكان مظهر الحي معبرا عن حياة أصحابه. فقد كثرت الزرائب والأكواخ وجميع أنواع الحيوانات من دواجن وكلاب وقطط وحمير وبغال وغيرها لأن سكان الحي لم يستطيعوا التخلص من تلك الكائنات التي صحبتهم طول حياتهم. وبمرور الزمن وجد سكان حي دالاس أنفسهم يفتقدون لأدنى شروط الحياة العصرية وانتبهوا لواقعهم فاكتشفوا أنهم بعيدون كل البعد عن العصر مقارنة بالأحياء المجاورة لهم. وبمنطق القدم راحوا يطالبون بحقهم في الحياة الكريمة وترقية محيطهم وجعله صالحا وملائما للحياة. فكتبوا وكتبوا وشكوا واشتكوا ولكن لا حياة لمن تنادي. خلال الأسبوع المنصرم كانت لـ وقت الجزائر زيارة للحي المنسي فاكتشفنا حيا ومن دون مبالغة من عهد الستينيات وكم كانت المشــاهد درامـية ومؤســفة لما يرى الإنسان مظــاهر حياة بالية لا تزال تسري في أحياء هي خارج إطار الزمن.يتألم كل من يقف علــى تلك الحياة البدائية، طرق ترابية تغرق في الأوحال، وبرك ومطبات قد لا يتسنى لمن يمشي راجلا أن يطوف بأنحاء الحي، فما بالك بالسيارة التي قد تغرق ولا تستطيع الخروج إن توغلــت وسط الحي. مشاهد تعود بالأذهان إلى حياة الأرياف حيث تقابلك مساكن هشة، وأمام كل مسكن زريبة للحيوانات ومربط للمواشي وكلاب تحرس الحي وأشواك، حيث يتخيل لمن يزوره لأول وهلة أنه أمام مشتة ريفية في عهد الاستعمار وبلديــات تتعاقب ولا أحد رق قلبه لحال هــؤلاء واتخذ قرارا شجاعا بكل مسؤولية لترقية هذا الحي السكني بتهيئته وتحسينه.
وعود كثيرة ومتعددة لا تثبت بمرور الأعوام والشهور ليفضحها وضع الحي المتردي، وضع غير إنساني مهين ومشين يعكس صورة الجزائري الذي يذل بفعل سوء التسيير وسياسة الإقصاء التي يتقنها المسؤولون المحليون في العديد من ربوع هذا الوطن، علامات الفقر والعوز والوهن بادية على ملامح سكان حي دالاس وكأنهم لاجئون ولا حق لهم في المطالبة بحقوقهم وكأنهم يعيشون على مزية السلطات، هم لا زالوا يعيشون بذهنية الريفي المهذب الذي يطالب بهدوء وبحشمة غير أن المسؤولين المحليين لا يتحركون إلا بالانتفاضات وحرق العجلات وقطع الطرقات ، ولأن سكان دالاس مسالمون لا يفضلون مثل هذه الأساليب فإن وضعهم لم يتغير ولم يتحسن، ولكن هم اليوم كلهم أمل في أن يزورهم والي الولاية ويقف شخصيا على معاناة هؤلاء المواطنين الذين يعانون في صمت ويصارعون الحياة وسط حي فقد كل مواصفات الحياة العصرية. يقول أحد السكان إن البلدية السابقة قامت بشق ممرات داخل الحي وأبقت عليها كما هي دون أن تكمل مشروع تعبيد الطرقات وتهيئة الحي لأنها كانت حينها في حملة لاستحقاقات وطنية، والهدف كان واضحا هو جلب المواطنين لصناديق الاقتراع لكن بعد ذلك تبخر حلم المواطنين وتواصلت المعاناة. ويبقى سكان دالاس اليوم ينتظرون ساعة الفرج لينعموا بحياة كريمة ويتمتعوا بحقهم في العيش الكريم في جزائر الألفية الثالثة. جريدة وقت الجزائر
الثلاثاء 15-02-2011